الشبهة الرابعة: الردّ على شبهة أن الولاء إنما يكون في الباطن وليس في الظاهر
يرد ذلك قوله تعالى: ( لاَّ يَتَّخِذِ الْمُؤْمِنُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاء مِن دُوْنِ الْمُؤْمِنِينَ وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ فَلَيْسَ مِنَ اللّهِ فِي شَيْءٍ إِلاَّ أَن تَتَّقُواْ مِنْهُمْ تُقَاةً وَيُحَذِّرُكُمُ اللّهُ نَفْسَهُ وَإِلَى اللّهِ الْمَصِيرُ ).
والدليل على أن المراد هو الظاهر من وجهين:
الأول: لفظ الاتخاذ ظاهر لا باطن وإرادة لا اعتقـاد يقـول تعالـى: ( وَقَالَ الَّذِي اشْتَرَاهُ مِن مِّصْرَ لاِمْرَأَتِهِ أَكْرِمِي مَثْوَاهُ عَسَى أَن يَنفَعَنَا أَوْ نَتَّخِذَهُ وَلَدا )، أي: يضعوه موضع الولد ويجعلوه ولدًا لهم وهو ليس ولدهم في الحقيقة، وليس المعنى أن يعتقدوا أنه ولدهم أو يعلموا أنه ولدهم بعد جهلهم بهذا، فالموضع موضع وضع وجعل وليس موضع علم ومعرفة واعتقاد، وهذا الوضع والجعل في الخارج وليس أمرًا مستكنًا في خفايا الضمير.
وكذلك في قصة سيدنا موسى: (وَقَالَتِ امْرَأَتُ فِرْعَوْنَ قُرَّتُ عَيْنٍ لِّي وَلَكَ لَا تَقْتُلُوهُ عَسَى أَن يَنفَعَنَا أَوْ نَتَّخِذَهُ وَلَداً وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ ).
وفي سورة العنكبوت: (مَثَلُ الَّذِينَ اتَّخَذُوا مِن دُونِ اللَّهِ أَوْلِيَاء كَمَثَلِ الْعَنكَبُوتِ اتَّخَذَتْ بَيْتاً وَإِنَّ أَوْهَنَ الْبُيُوتِ لَبَيْتُ الْعَنكَبُوتِ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ )، والعنكبوت لم تتخذ بيتها عقيدة مستكنة في خفايا الضمير، وإنما اتخذته على الحوائط والأسقف.
الوجه الثاني: لو كان الولاء في الباطن دون الظاهر لما كان هناك معنى لاستثناء المكره إذ أن المكره وغير المكره يستويان في عدم تحقق الولاء للكافرين، إذ لم يكن الباعث على ذلك تغير الاعتقاد وشرح الصدر بهذا التغير، فاستثناء المكره في هذه الحالة لا يتحكم من ذكره فائدة زائدة وهذا عبثٌ يتنزه عنه كلام المخلوق فضلاً عن الخالق. وثمة أمرٌ آخر وهو أنه لا إكراه على الباطن والاعتقاد وشرح الصدر، وإنما الإكراه على الظاهر، فاستثنى المكره لذلك فدلَّ ذلك على أن الولاء للكافرين إنما هو بالظاهر ولا يتقيد بالباطن.
يقول شيخ الإسلام ابن تيمية في تفسير قوله تعالى: ( مَن كَفَرَ بِاللّهِ مِن بَعْدِ إيمَانِهِ إِلاَّ مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالإِيمَانِ وَلَـكِن مَّن شَرَحَ بِالْكُفْرِ صَدْراً فَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ مِّنَ اللّهِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ ).
يقول: «ومعلومٌ أنه لم يرد بالكفر هنا اعتقاد القلب فقط لأن ذلك لا يكره الرجل عليه وهو قد استثنى من أكره ولم يرد من قال، واعتقد لأنه استثنى المكره وهو لا يكره على العقد والقول، وإنما يكره على القول فقط. فعُلِمَ أنه أراد من تكلم بكلمة الكفر فعليه غضبٌ مِنَ اللهِ وله عذابٌ عظيم وأنه كافر بذلك إلا من أكره وهو مطمئن بالإيمان ولكن من شرح بالكفر صدرًا من المكرهين فإنه كافرٌ أيضًا فصار من تكلم بالكفر كافرٌ إلا من أكره فقال بلسانه كلمة الكفر وقلبه مطمئن بالإيمان. وقال تعالى في حق المستهزئين:( لاَ تَعْتَذِرُواْ قَدْ كَفَرْتُم بَعْدَ إِيمَانِكُمْ إِن نَّعْفُ عَن طَآئِفَةٍ مِّنكُمْ نُعَذِّبْ طَآئِفَةً بِأَنَّهُمْ كَانُواْ مُجْرِمِينَ )، فبَيَّن أنهم كفَّار بالقول مع أنهم لم يعتقدوا صحته. وهذا بابٌ واسعٌ والفقه فيه ما تقدم من أن التصديق بالقلب يمنع إرادة التكلم وإرادة فعل فيه استهانة واستخفاف، كما أنه يوجب المحبة والتعظيم واقتضاؤه وجود هذا وعدم هذا أمر جرت به سنة الله في مخلوقاته كاقتضاء إدراك الموافق للذة وإدراك المخالف للألم. فإذا عُدِم المعلول كان مستلزمًا لعدم العلة، وإذا وجد الضد كان مستلزمًا لعدم الضد الآخر. فالكلام والفعل المتضمن للاستخفاف والاستهانة مستلزم لعدم التصديق النافع ولعدم الانقياد والاستسلام فلذلك كان كفرًا. واعلم أن الإيمان وإن قيل هو التصديق فالقلب يصدق بالحقِّ، والقول يصدق ما في القلب، والعمل يصدق القول، والتكذيب بالقول مستلزم للتكذيب بالقلب ورافع للتصديق الذي كان في القلب إذ أعمال الجوارح تؤثر في القلب كما أن أعمال القلب تؤثر في الجوارح فأيُّما قام به كفرٌ تعدي حكمه إلى الآخر». أهـ.
وثمة وجه ثالـث للاستدلال وهو: أن المناطات التي ذكرها القرآن لولاء الكافرين كلها مناطات ظاهرة سواء ما حدث بمكة أو بالمدينة فقوله تعالى:( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَتَّخِذُواْ آبَاءكُمْ وَإِخْوَانَكُمْ أَوْلِيَاء إَنِ اسْتَحَبُّواْ الْكُفْرَ عَلَى الإِيمَانِ وَمَن يَتَوَلَّهُم مِّنكُمْ فَأُوْلَـئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ* قُلْ إِن كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَآؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إِلَيْكُم مِّنَ اللّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُواْ حَتَّى يَأْتِيَ اللّهُ بِأَمْرِهِ وَاللّهُ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِين).
يقـول الطبري في التفسير:( وَمَن يَتَوَلَّهُم مِّنكُمْ ):
«من يتخذهم منكم بطانة من دون المؤمنين ويؤثر المقام معهم على الهجرة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ودار الإسلام: (فَأُوْلَـئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ)، يقول: فالذين يفعلون ذلك منكم هم الذين خالفوا أمر الله فوضعوا الولاية في غير موضعها وعصَوْا الله في أمره. وقيل: إن ذلك نزل نهيًا من اللهِ للمؤمنين عن موالاة أقربائهم الذين لم يهاجروا من أرض الشرك إلى دار الإسلام. حدثني محمد بن عمرو. قال: حدثنا أبو عاصم. قال: حدثنا عيسى عن أبي نجيح عن مجاهد في قوله تعالى:( أَجَعَلْتُمْ سِقَايَةَ الْحَاجِّ وَعِمَارَةَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ)، قال أمروا بالهجرة فقال العباس بن عبد المطلب: أنا أسقي الحاج، وقال طلحة: أحد بني عبد الدار وأنا صاحب الكعبة فلا نهاجر فأنزلت:( لاَ تَتَّخِذُواْ آبَاءكُمْ وَإِخْوَانَكُمْ أَوْلِيَاء إَنِ اسْتَحَبُّواْ الْكُفْرَ عَلَى الإِيمَانِ) إلى قوله:( يَأْتِيَ اللّهُ بِأَمْرِه ِ) بالفتح في أمره إياهم بالهجرة هذا كله قبل فتح مكة». أهـ.
فالذين رفضوا الهجرة استحبوا الكفر على الإيمان:( وَمَن يَتَوَلَّهُم )، يترك الهجرة لتركهم إيثارًا للمقـام معهم عاطفـة لهم أو خشيـة عليهم:( فَأُوْلَـئِكَ هُمُ الظَّالِمُون).
أقـول: هذه كلها أعمال ظاهرة وقوله تعالى:( وَالَّذِينَ اتَّخَذُواْ مَسْجِداً ضِرَاراً وَكُفْراً وَتَفْرِيقاً بَيْنَ الْمُؤْمِنِينَ وَإِرْصَاداً لِّمَنْ حَارَبَ اللّهَ وَرَسُولَهُ مِن قَبْلُ وَلَيَحْلِفَنَّ إِنْ أَرَدْنَا إِلاَّ الْحُسْنَى وَاللّهُ يَشْهَدُ إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ)، لم يصفهم اللهُ بالنفاق المخرج من الملة لاعتقاد مستكن في الضمائر في هذا الشأن ولم يكشف عن نوايا مجرد نوايا وحقد وحسد وكراهية وضغينة داخل القلب ليس لها وقوع في الخارج وإنما كشف عن تآمر مع عدو اللهِ أبي عامر الفاسق، وكذا الذين قالوا لإخوانهم الذين كفروا من أهل الكتاب:( لَئِنْ أُخْرِجْتُمْ لَنَخْرُجَنَّ مَعَكُمْ وَلَا نُطِيعُ فِيكُمْ أَحَداً أَبَداً وَإِن قُوتِلْتُمْ لَنَنصُرَنَّكُم)، أعمال ظاهرة ليست عقيدة مستكنة في الضمائر... إلخ، ما في القرآن من مناطات لولاية الكافرين كلها أعمال ظاهرة لا تتقيد لاستحقاق الوصف بقيد من الباطن عند استكمال تكييفها الشرعي بالضوابط الشرعيـة كمناط لولاية الكافرين. واللهُ تعالى أعزُّ وأحكم، وأعلى و أعلم.
الشبهة الثالثة: القـول بالبـاعث بدلاً من المنـاط
وهذا من أفحش بدعهم وسبب غلطهم أنهم لم يفرقوا في القصدين بين القصد الأول الذي يجعل الفعل إراديًا، والقصد الثاني الذي يعطي هذا الفعل تكييفه الشرعي. فالمشركون قدموا المدينة محاربين في أحد، وقدموا وفودًا على النبيّ صلى الله عليه وسلم في أوقات أخرى ولا يسمون مهاجرين، وقد يقدمها من يريد التجارة ولا يسمى مهاجرًا، وإنما المهاجر من يقدم إليها ليدخل في ولاء الله ورسوله والمؤمنين، وكلهم مشتركون في فعل السفر، وقد أوقعوا هذا الفعل بقصد ولكن هذا القصد مع الانتقال لا يعطي صفة الهجرة، وإنما الانتقال كفعل إرادي قصدي: سفر، والسفر بقصد الدخول في جماعة المؤمنين في المدينة: هجرة، فهذا مناط الهجرة. أما الباعث عليها فأمر آخر، وهكذا في فعل القتل مثلاً فالفعل قد يقع خطأ محض فلا يكون إراديًا، وقد يقع بقصد القتل فيكون إراديًا ولكنه مع وقوعه إراديًا قد يكون إيقاعه إراديًا بقصد قتال الكفار، أو المرتدين أو المارقين، أو البغاة أو الممتنعين عن الشرائع، أو أهل الحرابة أو دفعًا للصائل فيكون مشروعًا، وقد يقع بقصد السرقة والنهب فيكون حرابًا وقطعًا للطريق أو غيلة أو عمدًا، وقد يقع قصاصًا أو إقامة لحد أو دفعًا لصائل وقد يقع مع كفار لمؤمنين مظاهرة للكفار عليهم فيكون ولاية للكافرين، فالقتل فعل واحد ولكن له تكييفات شرعية متنوعة من الجهاد، إلى إقامة الحدودوالقصاص ودفع الصائل إلى العمد والغيلة والحرابة وولاية الكافرين. والحكم الشرعي لا يتنزل على الفعل المحسوس مجردًا عن القصد مطلقًا فإن ذلك كأفعال العجماوات والجمادات، ولا يدخل على الفعل إراديًا قصديًا فقط دون ارتباط بأي قصد آخر فإن ذلك أيضًا لا يمكن تنزيل الحكم الشرعي عليه حتى تعرف جهته هل هو عمد، غيلة، قصاص، حد، حرابة، ولاية كافرين، جهاد، قتال مشروع، قتال غير مشروع، دفع للصائل؟. كل هذه المناطات قد يكون الفعل القصدي فيها واحدًا وهو القتل ولكن المناط مختلف تمامًا من مناط إلى مناط ولكل مناط حكمه الشرعي.
هذه مقدمـة، ولندخل في الموضوع بعد هذا الشرح:
مناط الأذى لرسول الله صلى الله عليه وسلم وقع من عبد الله بن أبيّ بن سلول في حادثة الإفك، أذىً لرسول الله صلى الله عليه وسلم وحكمه الكفر الناقل من الملة. ووقع كلام من حسَّان وحمنة ومسطح لم يقع أذىً لأن زوجاته في الدنيا لم يكن لهنَّ بعد حكم زوجاته في الآخرة، وأنهن زوجاته في الدنيا والآخرة، وأنه ليس له أن يبدلهن فكان من الممكن له وقت ذلك طلاقهن، ولذلك قال مَن قال: طلقها فإن النساء كثير. فالوقوع في عائشة رضي الله عنها وقتها ليس وقوعًا في عرضه لإمكان الانفكاك، أما بعد أن أصبحن زوجاته في الدنيا والآخرة وأنه ليس له أن يستبدل بهن من أزواج ولو أعجبه حسنهن، فالوقوع فيها وقوع في عرضه وقت ذاك لعدم إمكان الانفكاك ولذلك كفَّرت الأمة من يقع في عرض عائشة رضي الله عنها أو غيرها من أمهات المؤمنين بعد هذه الآية لأنه طعن في عرض رسول الله صلى الله عليه وسلم وذلك كفر. فلو وقع مناط الأذى من حسان أو حمنة أو مسطح وتحقق وقوعه منهم لكفروا به في أي وقت يقع، ولكن لم يقع منهم أذىً للرسول صلى الله عليه وسلم بقولهم الذي تناقلوه لإمكان الانفكاك وقت ذلك ولو قالوا ما قالوه بعد عدم إمكان الانفكاك لوقع ما قالوه أذى، ولكفروا به بغض النظر عن الباعث لوقوع الأذى، فلو تحقق الأذى بأي نحو في أي وقت لرسول الله صلى الله عليه وسلم لكفر بذلك مهما كان باعثه، فلا فرق في أذى الرسول بين من يريد أذاه لدنيا يصيبها من غيره في مقابل هذا الأذى، أو لأنه يبغضه، أو يحسده، أو رعونة وحمقًا، أو استخفافًا بالحرمة لغرض، أو ليسب به إنسانًا سبه، أو لينال من سبه من عرض إنسان نال من عرضه أو غير ذلك، كل ذلك مُلغْى تمامًا كمن يسرق رغبة في التملك، أو إتلافًا لمال غيره، أو لينفق على المخدرات، أو الخمر، أو النساء، أو لمجرد شهوة السرقة مادام مناط السرقة قد تحقق، ولكن ليس كل آخذٍ لمال الغير بغير وجه حق يقال عنه أنه سرقة، فالسرقة لها مناط لا تتحقق إلا بتحققه، فإذا تحقق لا يختلف الحكم المنزل عليها باختلاف الباعث، وقد يتولى مسلم الكافرين عشقًا لامرأة، أو بسبب مال، أو شرف، أو ملك، أو أي مصلحة تتحقق له بذلك، أو حسدًا على أمير، أو بغضًا لقومه وعشيرته من المسلمين، أو لتغير اعتقاده. فالفرق بين عبد الله بن أبيّ أنه قصد بقوله الأذى وقوله إرادي، وقصده به الأذى إرادة أخرى للأذى، فهناك إرادة القول وإرادة الأذى به، وهذا هو الذي يعطي التكييف الشرعي للأذى. وحمنة ومسطح وحسان أرادوا القول ولم يريدوا الأذى به، وهذا هو الذي لم يعط لقولهم مناط الأذى، وبالتالي لم يأخذ قولهم حكم الأذى. ويُعرف هذا من ذاك بالقرائن الحالية والمقالية، ولو وقع منهم هذا القول بعد حكم الله فيها وفي غيرها من أمهات المؤمنين بأنهن زوجاته في الدنيا والآخرة وأنه ليس له أن يستبدل بهن من أزواج ولو أعجبه حسنهن لوقع القول منهم أذى له لعدم إمكان الانفكاك، ولم تقبل دعواهم بغير ذلك ولكفروا بذلك لإرادتهم القول، وقيام القرائن الحالية والمقالية لإرادتهم بالقول الأذى، فيقع بذلك مناط الأذى ويأخذ حكم الكفر. ولا فرق عندئذ بين أن يكون الباعث هو كره الرسول، أو تكذيبه، أو حسده، أو استخفافًا بحرمته لغرض كمَالٍٍ، أو شرف، أو نكاح، أو لذة، كل ذلك لا يغير من الحكم الخاص بالمناط.
وأصحاب بدعة الباعث بدلاً من المناط ربطوا الأحكام بالبواعث وصرفوها عن المناطات التي أنزلها الله وهذا هو تحريف الكلم عن مواضعه وقانا اللهُ الفتنة وعصمنا من الزلل.
هل هناك فرق بين من أراد القول وأراد بالقول الأذى والباعث له على ذلك غرض يناله من امرأة، أو مال يناله من عدو للرسول صلى الله عليه وسلم ، أو ملك يناله بسبب ذلك، أو ما دون الملك من الشرف والمكانة والجاه عند أعداء الرسول صلى الله عليه وسلم ، أو كان الباعث حسده للرسول صلى الله عليه وسلم ، أو بغضه له، أو تكذيبه، أو شكه، أو لتغير اعتقاده، وهل من أراد القول ولم يرد به الأذى، يعتبر قد وقع في مناط الأذى؟! وهل يستوي هذا مع من أراد الأذى لمال ويختلف عمن أراد الأذى بغضًا للرسول صلى الله عليه وسلم ؟ أم أن إرادة القول وإرادة الأذى تتفق في حكمها مع اختلاف البواعث وتختلف في حكمها عمن أراد القول ولم يرد به الأذى؟.
كذلك من أراد بقوله أو فعله مظاهرة المشركين على المسلمين، أو التآمر مع الكافرين لاستئصال شأفة المؤمنين، أو تكثير سواد الطاعنين في دين الله ترويجًا لباطلهم ابتغاءً للعزة عندهم، أو ترجيح ولاء القبيلة على ولاء العقيدة... إلخ. هل يوجد فرق بين أن يكون باعثه على ذلك المال، أو الشرف، أو النكاح، أو التكذيب، أو الشك، أو تغير الاعتقاد، أو الحسد، أو الكبر، أو البغض للرسول والمؤمنين؟، وكذلك من رغب عن شرع الله إلى غيره، أو عدل به غيره بسبب مال، أو شرف، أو ملك، أو جاه، أو دنيا يصيبها، أو امرأة ينكحها، هل يؤثر اختلاف الباعث في الحكم، وهل يختلف الحكم مع اختلاف الباعث إذا كان المناط واحدًا؟! سبحانك هذا بهتان عظيم.
يقول شيخ الإسلام ابن تيمية: «وقال أبو سعيد الأشج: حدثنا عبد الله بن حراش عن العوام عن سعيد بن جبير عن ابن عباس: (إِنَّ الَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ الْغَافِلَاتِ)، نزلت في عائشة رضي الله عنها خاصة واللعنة في المنافقين عامة. فقد بيَّن ابن عباس أن هذه الآية إنما نزلت فيمن يقذف عائشة وأمهات المؤمنين لما في قذفهن من الطعن على رسول الله صلى الله عليه وسلم وعيبه، فإن قذف المرأة أذًى لزوجها كما هو أذى لابنها لأنه نسبة له إلى الدياثة وإظهار لفساد فراشه.
إلى أن يقول: ولهذا ذهب الإمام أحمد في إحدى الروايتين المنصوصتين عنه إلى أن من قذف امرأة غير محصنة كالأمة والذمية ولها زوج أو ولد محصن، حدّ لقذفها لما ألحقه من العار بولدها وزوجها المحصنين، والرواية الأخرى عنه وهو قول الأكثرين أنه لا حد عليه لأنه أذى لا قذف لهما، والحد التام إنما يجب بالقذف، وفي جانب النبيّ صلى الله عليه وسلم أذاه كقذفه. ومن يقصد عيب النبيّ صلى الله عليه وسلم بعيب أزواجه فهو منافق، وهذا معنى قول ابن عباس: «اللعنة في المنافقين عامة»، وقد وافق ابن عباس على هذا جماعة فروى الإمام أحمد والأشج عن خصيف قال: سألت سعيد بن جبير فقلت: الزنا أشد أو قذف المحصنة؟ قال: لا بل الزنا. قال: قلت: إن الله تعالى يقول: ( إِنَّ الَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ الْغَافِلَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ لُعِنُوا فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ )، فقال: إنما كان هذا في عائشة خاصة. وروى أحمد بإسناده عن أبي الجوزاء في هذه الآية: (إِنَّ الَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ الْغَافِلَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ لُعِنُوا فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ)، قال: هذه لأمهات المؤمنين خاصة. وروى الأشج بإسناده عن الضحاك في هذه الآية قال: هنَّ نساء النبيّ صلى الله عليه وسلم.
إلى أن يقول: وعلى هذا فرميهن نفاق مبيح للدم إذا قصد به أذى النبيّ صلى الله عليه وسلم أو أذاهن بعد العلم بأنهن أزواجه في الآخرة. وبعد أن يذكر كفر ابن أُبيّ ونفاقه بهذا الفعل واستحقاقه للعن بهذا الفعل يقول: بقى أن يقال: فقد كان من أهل الإفك مسطح وحسان وحمنة ولم يرموا بنفاق، ولم يقتل النبيُّ صلى الله عليه وسلم أحدًا بذلك السبب، بل قد اختلف في جلدهم. وجوابه: أن هؤلاء لم يقصدوا أذى النبيّ صلى الله عليه وسلم ولم يظهر منهم دليل على أذاه بخلاف ابن أُبيّ الذي إنما كان قصده أذاه. لم يكن إذ ذاك قد ثبت عندهم أن أزواجه في الدنيا هنَّ أزواج له في الآخرة وكان وقوع ذلك من أزواجه ممكنًا في العقل ولذلك توقف النبيُّ صلى الله عليه وسلم في القصة حتى استشار عليًّا وزيدًا وحتى سأل بريرة. فلم يحكم بنفاق من لم يقصد أذى النبيّ صلى الله عليه وسلم لإمكانه أن يطلق المرأة المقذوفة. فأما بعد أن ثبت أنهن أزواجه في الآخرة وأنهن أمهات المؤمنين فقذفهن أذى له بكل حال، ولا يجوز ـ مع ذلك ـ أن تقع منهن فاحشة». انتهى بتصرف.
الشبهة الثانية: القول بأن توحيد العبادة باطن فقط وأن الظاهر فيه مؤول.
وهذا القول أيضًا من البدع المحدثة، وقد تكلم شيخ الإسلام ابن تيمية وشيخ الإسلام ابن القيم وابن عبد الوهاب وغيرهم عن الشرك الأعظم فعدّوا وسردوا أعمالاً ظاهرة كالعكوف على الأصنام وتقريب القرابين والذبح لغير الله والإهلال بغير اسم الله وما إلى ذلك، ولم يذكروا شيئًا من أعمال القلوب. وسبب هذه البدعة أنهم وجدوا ألفاظ الكفر والشرك تستعمل فيما ينقل وفيما لا ينقل عن الملة، ولم يستطيعوا أن يفرقوا بضوابط لفظية بين ما ينقل وما لا ينقل، فقالوا كل ما هو ظاهر لا ينقل وكل ما هو عمل لا ينقل وكل ما هو باطن واعتقاد ينقل أو ما يدل على فساد الباطن والاعتقاد من القول والعمل الظاهر فكفَّروا بما لا ينحصر من الدلالات على انخرام معاني الباطن الثلاثة بزعمهم وهي: أن الله أحبّ الأشياء وأولاها بالتعظيم وأحقها بالطاعة، ولم يكفروا بما كفرت به النصوص بدلالتها الصحيحة حسب ضوابطها اللغوية السليمة بل أولوها حيث لا تؤول والحق في هذا هو:
1-التفريق بين ما ينقل وما لا ينقل من ألفاظ: الكفر، الشرك، نفي الإيمان، نفي الصلة، الظلم، الفسق، الضلال، العذاب الأخروي، اللعن، النفاق، السيئة، الكره، والمكروه، المنكر، الفحشاء، الإثم، الذنب، الخِطء، الخطيئة، المقت، الغضب. وذلك بضوابط لفظية لغوية سبقت الإشارة إليها تفصيلاً.
2- تنقيح المناط، تحقيقه، تنزيل الحكم على مناطه.
3- أن تكون هذه المناطات المكفرة محرمة تحريمًا أبديًا خالدًا لا تباح بأي حال، ولا في حال دون حال.
4- أن تكون هذه المكفرات نواقض لأركان التوحيد.
وفي المقابل، أركان التوحيد هي: ما تحقق فيه إفراد الله I بما لا يكون إلا لله، وأن تكون نواقضها مكفرة، وأن تكون هذه النواقض محرمة تحريمًا أبديًا خالدًا.
الشبهة الأولى: القول بعدم التلازم بين الظاهر والباطن في الإيمان
نقول وبالله التوفيق:
الإيمان: علم يدخل القلب. فإما:
أن ينقلع بالكلية. أو ينقلب شكًا. أو يبقى خواطر وحديث نفس.
أو يستقر في القلب يقينًا جازمًا وعقيدة راسخة.
وفي هذه الحالة الرابعة يقـال: أن القلب قد عَقِلَ العلم وضبطه، وإذا عَقِلَ القلبُ العلمَ وضبطه فإمـا أن:
· يلقى موانع من الكبر والإلف للعادة، أو الحسد، أو الخوف من ضياع الملك والجاه والمكانة والشرف، وما إلى ذلك فلا يعطي موجبه من الموالاة والموافقة والانقياد.
· أو لا يلقى هذه الموانع، فإذا لم يلق هذه الموانع فإنه يعطي موجبه من الموالاة والموافقة والانقياد.
وهذه الموالاة والموافقة والانقياد معانٍٍ مستقرة في القلب يلزم عنها بالضرورة إرادات في القلب، والإرادات مع القدرة يلزم عنها مرادات في الخارج.
الإرادات: حركة، والمعاني سكون، والمعاني لا تتجسَّد إلا من خلال الإرادات، والإرادات لا تُنْتَجُ إلا من هذه المعاني فهما متلازمان.
وهنا نقطة غاية في الأهمية في الفهـم وهي: الإيمان بمعناه المقيد، له حالتان في استعمالات الكتاب والسنة:
الحالة الأولى: أن يقف معنى الإيمان المقيد عند العقل والضبط مع إقرار اللسان ولا تدخل فيه المعاني.
ويكون الإسلام بمعناه المقيد: شاملاً للمعاني والإرادات والمرادات، ويكون دخول الملة بمجموعهما.
الحالة الثانية: أن يشمل معنى الإيمان المقيد: العقل والضبط مع المعاني من الموافقة والموالاة والانقياد.
ويكون الإسلام بمعناه المقيد: شاملاً للإرادات والمرادات ولا يدخل فيه المعاني، ويكون دخول الملة بمجموعهما.
والحال الأول: يكون الإيمان: قولاً ظاهرًا وباطنًا، ويكون الإسلام: عملاً ظاهرًا وباطنًا.
والحال الثاني: يكون الإيمان: باطنًا من قول وعمل، ويكون الإسلام: ظاهرًا من قولٍ وعمل.
والظاهر من القول والعمل لابد له من قصد في الباطن إذ أن المراد بالظاهر ليس هو الفعل أو القول المحسوس وإنما هو التكييف الشرعي وذلك كالفرق بين السفر والهجرة، فالسفر فعل محسوس والهجرة تكييف شرعي. وفي الحالة الأولى: يمكن الانفكاك بين الإيمان والإسلام، كما في قوله سبحانه وتعالى:} وَمَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللَّهِ إِلاَّ وَهُم مُّشْرِكُون{،وفي الحالة الثانية: لا يمكن الانفكاك، وهذا واضح جدًا من السياقات التالية عن الحالتين أو الضربين من ضروب التكامل بين الإسلام والإيمان من كلام شيخ الإسلام ابن تيمية، وكلام محمد بن نصر المروزي.
الحالة الأولى: التي يمكن فيها الانفكـاك:
يقول شيخ الإسلام ابن تيمية1: «وحقيقة الفرق: أن الإسلام دين، والدين: مصدر دان يدين دينًا، إذا خضع وذلَّ، ودين الإسلام الذي ارتضاه وبعث به رسله هو الاستسلام لله وحده فأصله في القلب هو الخضوع لله وحده بعبادته وحده دون ما سواه، فمن عبده وعبد معه إلهًا آخر لم يكن مسلمًا، ومن لم يعبده بل استكبر عن عبادته لم يكن مسلمًا، والإسلام هو: الاستسلام لله وحده وهو الخضوع له والعبودية له. هكذا قال أهل اللغة: أسلم الرجل إذا استسلم. فالإسلام في الأصل من باب العمل، عمل القلب والجوارح. وأما الإيمان: فأصله تصديق وإقرار ومعرفة، فهو من باب قول القلب المتضمن عمل القلب والأصل فيه هو التصديق والعمل تابع له». أهـ.
ويقول2: «فإن الإيمان أصله معرفة القلب وتصديقه وقوله، والعمل تابع لهذا العلم والتصديق ملازم له، ولا يكون العبد مؤمنًا إلا بهما. وأما الإسلام فهو عمل محض مع قول، والعلم والتصديق ليس جزء مسماه لكن يلزمه جنس التصديق فلا يكون عمل إلا بعلم لكن لا يستلزم الإيمان المفصل الذي بيَّنه الله ورسوله كما قال تعالى: } إِنَّمَا المُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ لَمْ يَرْتَابُوا وَجَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أُولَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ{،وقوله تعالى: } إِنَّمَا المُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ{، وسائر النصوص التي تنفي الإيمان عمن لم يتصف بما ذكره، فإن كثيرًا من المسلمين مسلم ظاهرًا وباطنًا ومعه تصديق مجمل ولم يتصف بهذا الإيمـان. والله تعالـى قـال: }وَمَن يَّبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلامِ دِينًا فَلَن يُّقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الآخِرَةِ مِنَ الخَاسِرِينَ{، وقال تعالى: }وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلامَ دِينًا{، ولـم يقـل: ومن يبتغ غير الإسلام3 علمًا، ومعرفة، وتصديقًا، وإيمانًا. ولا قـال: رضيت لكم الإسلام تصديقًا وعلمًا. فإن الإسلام من جنس الدين والعمل والطاعة والانقياد والخضوع، فمن ابتغى غير الإسلام4 دينًا فلن يقبل منه، والإيمان طمأنينة ويقين أصله علم وتصديق ومعرفة والدين تابع له، يقال: آمنت بالله وأسلمت لله». أهـ.
الحالة الثانية: التي لا يمكن فيها الانفكـاك:
يقول شيخ الإسلام نقلاً عن المروزي في ”كتاب الإيمان“5:«ومثل الإيمان في الأعمال كمثل القلب في الجسم لا ينفك أحدهما عن الآخر، لا يكون ذو جسم حي لا قلب له ولا ذو قلب بغير جسم، فهما شيئان منفردان وهما في الحكم والمعنى متصلان، ومثلهما أيضًا مثل حبة لها ظاهر وباطن وهي واحدة، لا يقـال: حبتان لتفاوت صفتهما، فكذلك أعمال الإسلام هو من ظاهر الإيمان وهو من أعمال الجوارح، والإيمان باطن الإسلام وهو من أعمال القلوب، وروى عن النبيّ صلى الله عليه وسلم أنه قال: «الإسلام علانية والإيمان في القلب»، وفي لفظ: «الإيمان سر». فالإسلام أعمال الإيمان والإيمان عقود الإسلام، فلا إيمان إلا بعمل ولا عمل إلا بعقد.
إلى أن يقول: ومثله قول الرسول صلى الله عليه وسلم: «إنما الأعمال بالنيات»، أي: لا عمل إلا بعقد وقصد، لأن: «إنما» تحقيق للشيء ونفي لما سواه، فأثبت بذلك عمل الجوارح من المعاملات وعمل القلوب من النيات فمثل العمل من الإيمان كمثل الشفتين من اللسان لا يصح الكلام إلا بهما لأن الشفتين تجمع الحروف واللسان يظهر الكلام وفي سقوط أحدهما بطلان الكلام وكذلك في سقوط العمل ذهاب الإيمان، ولذلك حين عدد الله نعمه على الإنسان بالكلام ذكر الشفتين مع اللسان في قوله تعالى: }أَلَمْ نَجْعَلْ لَهُ عَيْنَينَ وَلِسَانًا وَشَفَتَينِ{، بمعنى ألم نجعله ناظرًا متكلمًا. فعبر عن الكلام باللسان والشفتين لأنهما مكان له وذكر الشفتين لأن الكلام الذي جرت به النعمة لا يتم إلا بهما». أهـ.
فهذا واضح جدًّا أن الإسلام كظاهر لا ينفك عن الإيمان كباطن، وأن الإيمان كباطن لا ينفك عن الإسلام كظاهر، فالباطن لا ينفك عن الظاهر في الإيمان المطلق والحقيقة الشرعية التي يدخل بها الإنسان الملة، وليس التسمية اللغوية أو الشرعية المقيدة. وكذلك الظاهر لا ينفك عن الباطن، والإيمان لابد أن يكون باطنًا وظاهرًا لأن الباطن لا يتحقق إلا بالظاهر والظاهر لا يتحقق إلا بالباطن، ولا يوجد أحدهما قبل الآخر وإن كان الشرح العلمي لكيفية وجود الإيمان يوهم بوجود الباطن قبل الظاهر فهما متلازمان معنىً وحكمًا ووجودًا.
أما عندما يعبر عن الإسلام المقيد بالعمل الظاهر والباطن، وعن الإيمان المقيد بالقول الظاهر والباطن فهما منفكان معنىً ووجودًا، ومتلازمان حكمًا وبمجموعهما يدخل الإنسان الملة.
وقد بيَّنـا تفصيلاً قبل ذلك بطلان قول الجهمية: أن الإيمان باطن وأن الظاهر ثمرة له ولا يدخل فيه، وتأويل أحكام الظاهر ما لم تدل على انخرام الباطن. وكذلك بطلان قولهم: أن الإيمان المجمل الراجع إلى أصل الدين يتبعض، وأن التوحيد يتبعض، وأنه من الممكن أن يكون في الإنسان شركٌ أعظم يجتمع مع توحيد، وكفر ينقل عن الملة يجتمع مع إيمان يدخِل فيها.
ولوأنهم قالوا مثل أهل السنة: أن فروع الإيمان وهي الطاعات تجتمع مع فروع الكفر وهي المعاصي والبدع، لما عاب عليهم أحد، ولكن الطامة الكبرى أن يقولوا: باجتماع صلب التوحيد مع الشرك الأعظم في عبد مسلم واحد ويبقى مع ذلك مسلمًا واجتماع أصل الإيمان مع كفر ينقل عن الملة، فلا حاجة إلى إعادة ذلك هنا. وكذلك بيَّنـا أن المعاني لا تنفك عن الإرادات ولو في حالة العجز المطلق عن المرادات لقيام النية مقام العمل، وأن العمل في حالة العجز يجزئ فيه تمرير حركاته وهيئاته وتلاوته على القلب دون حركة بالجوارح أو نطق باللسان كما في الصلاة في شدة المرض وحالات الاحتضار.
خطب ابن الجوزي رحمه الله الناس أيام الغزو الصليبي لديار المسلمين في الجامع الأموي بدمشق فقال:
أيها الناس مالكم نسيتم دينكم وتركتم عزتكم وقعدتم عن نصر الله فلم ينصركم ، حسبتم أن العزة للمشرك وقد جعل الله العزة لله ولرسوله وللمؤمنين ،
يا ويحكم أما يؤلمكم ويشجي نفوسكم مرأى عدو الله وعدوكم يخطر على أرضكم التي سقاها بالدماء أباؤكم ، يذلكم ويستعبدكم وأنتم كنتم سادت الدنيا ، أما يهز قلوبكم وينمّي حماستكم مرأى إخواناً لكم قد أحاط بهم العدو وسامهم ألوان الخسف ،
أفتأكلون وتشربون وتتنعمون بلذائذ الحياة وإخوانكم هناك يتسربلون اللهب ويخوضون النار وينامون على الجمر ؟
يا أيها الناس
إنها قد دارت رحى الحرب ونادى منادي الجهاد وتفتحت أبواب السماء ، فإن لم تكونوا من فرسان الحرب فافسحوا الطريق للنساء يدرن رحاها ، واذهبوا فخذوا المجامر والمكاحل يا نساءً بعمائم ولحى.
أو لا ؟ .
فإلى الخيول وهاكم لجمها وقيودها .
يا ناس أتدرون مما صنعت هذه اللجم والقيود ؟ .
لقد صنعها النساء من شعورهن لأنهن لا يملكن شيئاً غيرها ، هذه والله ضفائرهن لم تكن تبصرها عين الشمس صيانة وحفظاً ، قطعنها لأن تاريخ الحب قد انتهى ، وابتدأ تاريخ الحرب المقدسة ، الحرب في سبيل الله ثم في سبيل الدفاع عن الأرض والعرض .
فإذا لم تقدروا على الخيل تقيدونها فخذوها فاجعلوها ذوائب لكم وظفائر إنها من شعور النساء ، ألم يبق في نفوسكم شعور ؟ .
وألقى اللجم من فوق المنبر على رؤوس الناس وصرخ :
ميدي يا عمد المسجد وانقضي يا رجوم وتحرقي يا قلوب ألماً وكمداً ، لقد أضاع الرجال رجولتهم .
يا أهل حزب النور (تعالوا إلى كلمة سواء بيننا وبينكم)
إذا علمنا أن قانون لجنة تكوين الأحزاب في مصر الذي منحكم رخصة لإنشاء وممارسة السياسة من خلال حزبكم (النور؟!!)ينص صراحةعلى أنه لا يجوز إنشاء أي حزب على أساس ديني (في الغايات أو البرامج أو الأهداف أو القيادات أو الأعضاء)
فهل استغفلتم لجنة شئون الأحزاب وحصلتم على رخصة لانشاء حزب (يفترض أنه إسلامي)؟!
أم أن ذلك الشرط المنصوص عليه ينطبق على حزبكم ( والحزب ليس إسلاميا)؟!!
أم أنكم تمارسون نوعا من المداهنة أو التقية السياسية أسوة بمن سبقكم ممن كنتم تحذرون منهم ومن انحرافاتهم منذ عهد قريب؟!!
لقد كنتم تحذروننا منذ عهد قريب من الشرك ... ومن كل أنواعه... وكنتم تدعون إلى كلمة التوحيد قبل توحيد الكلمة.... وكنتم تحذرون من شرك القبور دوما .... وكنتم تحذروننا من شرك التشريع وتقولون أن كل مشرع من دون الله أو مع الله فهو منازع له سبحانه في حقه
فما بالكم اليوم وقد أصبحتم نجوما وضيوفا مستديمين على الفضائيات إذا سئلتم عن شرك القبور وحكم الأضرحة الملحقة بالمساجد وحكم الموالد تتلعثمون وتتهربون من الإجابة التي كنتم تقطعون بها في المساجد منذ عهد قريب؟! هل تغير حكم الله في ذلك ؟!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!
أم أنكم تخشون من ضياع أصوات الصوفية ومريدي الأضرحة وعبادها؟!!!!!!!!!!!!
أما عن شرك التشريع .... فأنا أسألكم وأنتم من علمتمونا ألا نقبل قولا إلا بدليل من الكتاب أو السنة الصحيحة..........بأي ضمير إسلامي؟ وبأي فهم سلفي؟! تدعون الناس إلى المشاركة في برلمان شركي كفري؟! وكيف تقرون بوجود سلطة تشريعية تجعل للبشر ( الذين هم عبيد لله) حق التشريع من دون الله أو مع الله؟! وكيف تقرون أن يبقى شرع الله في المصحف بلا أثر في الحياة ما لم يقره أعضاء البرلمان الذين لهم دون غيرهم حق التشريع (سبحانك هذا بهتان عظيم)
لقد دلستم على الأمة في برنامج حزبكم بألفاظ مطاطة تحتمل معاني كثيرة توهمون المسلمين أن برنامجكم الحزبي يدعو إلى إقامة دولة إسلامية............. فقلتم نسعى إلى بناء دولة حضارية حديثة تجمع بين الأصالة والمعاصرة.... وفسرتم ذلك في صفحة 13 من هذا البرنامج فقلتم .... إنه يجب احترام الارادة العامة للأمة واحترام حقها في اختيار من يمثلها في السلطات التنفيذية والقضائية والتشريعية
أجعلتم إرادة الأمة فوق إرادة الله؟! وتنادون بوجود سلطة تشريعية تشرع من دون الله
إن هذا دين جان جاك روسو وغيره من فلاسفة الالحاد أصحاب نظرية العقد الاجتماعي وليس دين محمد صلى الله عليه وسلم... فاتقوا الله وعودوا إلى دينكم
وبأي حس إسلامي ينادي الدكتور برهامي باحترام سيادة القانون؟!
أسيادة فوق سيادة الله يا دكتور؟! إن كنت تقصد بالقانون الشريعة فهذه تقية وتدليس ولا تجوز في هذا الوقت الذي يجب فيه الوضوح..... وإن كنت تقصد القانون الوضعي فلا أدري ماذا أقول؟!
وأين الولاء والبراء يا مشايخ السلفية؟! اتقوا الله فقد اتسع الخرق على الراقع ولا ندري في أي ثغر نزود عن دين محمد صلى الله عليه وسلم؟!
قد كنا نحذر من غلاة الصوفية ومن الشيعة الرافضة وخطرهم على الاسلام ومن الطواغيت الحاكمين بغير ما أنزل الله فزدتم علينا الخرق اتساعا ففتنتم الناس بفتنة الديمقراطية والحزبية فشتتم طاقات الدعاة
ووالله لقد فرح بفعلتكم دعاة العلمانية وأئمة الكفر ... فرحوا بتنازلاتكم وطرحكم للاسلام كأحد البدائل وعرضها على الناس قبلوها أو ردوها فانزلقتم إلى طريق الانبطاح والتنازلات فجررتم على أنفسكم وعلى الأمة وبالا عظيما..... وإن تظاهر العلمانيون بغير ذلك (ودوا لو تدهن فيدهنون)
يا مشايخ السلفية ويا طلاب العلم الشرعي .... اتقوا الله وعودوا إلى الدعوة السلفية الحقة وتعالوا إلى كلمة سواء بيننا وبينكم... تعالوا لنكفر بالديمقراطية والحزبية والقبة البرلمانية الشركية ونرجع إلى الكتاب والسنة بفهم سلف الأمة
وأعيذكم ونفسي بالله العظيم أن نكون من أهل قوله ( ولو دخلت عليهم من أقطارها ثم سئلوا الفتنة لأتوها وما تلبثوا بها إلايسيرا)......... فوالله لقد تلبثتم بفتنة دهيماء العصر (الديمقراطية) ودخلتم في دينها وحشدتم أنصاركم وكل طاقاتكم إلى برلمانها الشركي وكأنه الفتح الاسلامي المنتظر!!!!!!!!
اللهم إني أشهدك أنني برأت وكفرت بجميع الأحزاب وبكل الدساتير والقوانين الوضعية وبرلمانها التشريعي الشركي وءامنت بدينك وواليت أهل الحق من المجاهدين في سبيلك ومن أهل العلم الراسخين الثابتين على الحق ومن المستضعفين والمظلومين من المسلمين أينما كانوا وأحببتهم فيك يا رب
اللهم رب السماوات والأرض ورب جبريك وميكائيل ورب كل شئ ومليكه اهد جميع المسلمين لما اختلف فيه من الحق بإذنك وطهرهم من نجس ودنس ورجس الحزبية البغيضة والديمقراطية الوضعية الوضيعة واجمعهم على كتابك وسنة نبيك عليه الصلاة والسلام بفهم سلف أمة المسلمين..........ااااااااااااااااااااااامين
بقلم الأخ : فارس الكنانة
النصر على نصارى مصر
الرد على الاسلاميين فى مشاركتهم العمل السياسى الشركى
الرد على الاسلاميين فى مشاركتهم العمل السياسى الشركى
للأخ فارس الكنانة
قال تعالى: ((إن الحكم إلا لله))
وقال تعالى: ((أفحكم الجاهلية يبغون))
وقال تعالى: ((ومن لم يحكم بما أنزل الله فاولئك هم الكافرون))
وقال تعالى: ((ألم تر إلى الذين يزعمون أنهم آمنوا بما أنزل إليك وما أنزل من قبلك يريدون أن يتحاكموا إلى الطاغوت وقد أمروا أن يكفروا به)) فكل من تحوكم إليه من دون الله فهو طاغوت، وقد جعل الله شطر كلمة التوحيد الكفر بالطاغوت ((فمن يكفر بالطاغوت ويؤمن بالله فقد استمسك بالعروة الوثقى))
((أم لهم شركاء شرعوا لهم من الدين ما لم يأذن به الله)) فهذا شرك واضح.
وأجمع أهل العلم على أن هذه القوانين كفرية طاغوتية وأنه لا يجوز لأحد أن يشارك فيها بوجه من الوجوه، وأن المشاركة فيها كفر.
فإن قيل: نشارك لأجل المصلحة والضرورة
قلنا: إن الذي قد يجوز لأجل الضرورة هو المعاصي العادية الغير كفرية وأما الكفر فقد أجمع أهل العلم أنه لا يجوز إلا في حالة الإكراه
قال ابن القيم في الإعلام:
((ولا خلاف بين الامة أنه لا يجوز الاذن في التكلم بكلمة الكفر لغرض من الأغراض إلا المكره إذا اطمأن قلبه بالايمان ))
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية :
(...وَهَذِهِ الشُّبْهَةُ وَاقِعَةٌ لِكَثِيرِ مِنْ النَّاسِ وَجَوَابُهَا مَبْنِيٌّ عَلَى ثَلَاثِ مَقَامَاتٍ : " أَحَدُهَا " أَنَّ الْمُحَرَّمَاتِ قِسْمَانِ : " أَحَدُهُمَا " مَا يَقْطَعُ بِأَنَّ الشَّرْعَ لَمْ يُبِحْ مِنْهُ شَيْئًا لَا لِضَرُورَةِ وَلَا لِغَيْرِ ضَرُورَةٍ : كَالشَّرَكِ وَالْفَوَاحِشِ وَالْقَوْلِ عَلَى اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ . وَالظُّلْمِ الْمَحْضِ وَهِيَ الْأَرْبَعَةُ الْمَذْكُورَةُ فِي قَوْله تَعَالَى ** قُلْ إنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالْإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَنْ تُشْرِكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ } .
فإن قيل: ما الطريق الآن، وماا نفعل إذاً؟
قلنا: نفعل ما فعله نبينا صلى الله عليه وسلم عندما بعث في أرض لا يعبد فيها الله وليس لا يحكم فقط، بل لا يعبد فهم مشركون أبناء مشركين.
فقد دعا إلى التوحيد الحق وتضمنه لقضية الحاكمية، بدلا من أن نظل نقول الناس لا تعرف الشريعة ولن تستقبل الشريعة، فهذا عيب فينا فالمشايخ لهم ثلاثون سنة في الدعوة ونادرا ما كانوا يتحدثون عن قضية التوحيد والحاكمية، فلذلك لم يعرف الناس، ففتحت الآن مسئلة الدعوة فليقولوا وليعلموا الناس التوحيد حقا، وهذا ما فعله صلى الله عليه وسلم وأمر به (فليكن أول ما تدعوهم إليه أن يوحدوا الله)
فهل طريقته صلى الله عليه وسلم كافية أم لا؟؟؟؟؟!!!!!!
فمن قال: ليست كافية فلا كلام معه، ومن قال كافية قلنا: فهذه إجابة سؤال من قال: فماذا نفعل إذا.
إذا قالوا لك؛ إن المشاركة في الانتخابات البرلمانية واجبٌ دينيّ.
فقل لهم: إنكم تعنون بذلك إنها عبادة يؤجر فاعلها ويأثم تاركها؟!
فإن قالوا لك؛ نعم!
فقل لهم؛ إن الأصل في العبادات الحُرمة إلا مع قيام الدليل الشرعية عليها من الكتاب والسنة، واسألهم حينها؛ ما هو دليلكم على هذه العبادة؟!
فإن ذكروا لك ما جاء في الكتاب والسنة من الترغيب في الشورى، فقل لهم: إن الشورى غير الديمقراطية.
فإن قالوا لك: وما الفرق بينهما؟
فأجبهم قائلاً: الديمقراطية تقضي على المفهوم الصحيح للشورى، وذلك لأن الشورى تفارق الديمقراطية في عدة محاور، منها...
أولاً؛ أن الحاكم في الشورى هو الله، كما قال تعالى: {إِنِ الْحُكْمُ إِلاَّ لِلّهِ} [الأنعام من الآية 57]، والدمقراطية بخلاف ذلك، فالحكم فيها لغير الله – أغلبية الشعب –
ثانياً؛ أن الشورى إنما هي في المسائل الاجتهادية التي لا نص فيها ولا إجماع، والديمقراطية بخلاف ذلك، فهي تخوض في كل شيء، كتحريم الخمر – مثلاً - فلو أجمع أغلب الشعب على جوازه فهو جائز، ولا اعتبار لشريعة الله.
ثالثاً؛ أن الشورى في الإسلام محصورة في أهل الحل والعقد والخبرة والاختصاص، وليست الديمقراطية كذلك.
فإن زعموا أن هنالك بعض الآيات والأحاديث تجيز للمسلم طلب الولاية في الحكومات الكافرة.
فقل لهم؛ إعلموا أن النصوص الشرعية؛ قسمان، متشابه ومُحكم، وإن منهج أهل السنة والجماعة قائم على التعلق بالمحكم لا بالمُتشابه، وإن الله تعالى ذكر في القرآن؛ أن أهل البدع يتركون المُحكم ويتعلقون بالمُتشابه لزيغ قلوبهم؛ {هُوَ الَّذِيَ أَنزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُّحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ فَأَمَّا الَّذِينَ في قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاء الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاء تَأْوِيلِهِ وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلاَّ اللّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِّنْ عِندِ رَبِّنَا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلاَّ أُوْلُواْ الألْبَابِ} [آل عمران: 7].
ثم أذكر لهم أن المُحكم من كتاب الله تعالى قد هَدَمَ ما تدعو إليه الديمقراطية.
فإن قالوا لك: فأين تجد ذلك من كتاب الله؟!
فقل لهم: إن دين الديمقراطية حوى مفاسد كيرة، حاربها القرآن الكريم، ومن ذلك...
1) إن من يسلك أو يتبنى النظام الديمقراطي؛ لا بُد له من الاعتراف بالمؤسسات والمبادئ الكفرية والتحاكم إليها، كـ "مواثيق الأمم المتحدة"، و "قوانين مجلس الأمن الدولي"، و "قانون الأحزاب"... وغير ذلك من القيود المخالفة لشرع الله، والله تعالى يقول: {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُواْ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنزِلَ مِن قَبْلِكَ يُرِيدُونَ أَن يَتَحَاكَمُواْ إِلَى الطَّاغُوتِ وَقَدْ أُمِرُواْ أَن يَكْفُرُواْ بِهِ} [النساء، من الآية: 60]، وإن لم يفعل كل ذلك مُنع من مزاولة نشاطه الحزبي، بحجة أنه متطرف، إرهابي، وغير مؤمن بالسلام العالمي والتعايش السلمي.
2) النظام الديمقراطي؛ يُعطل الأحكام الشرعية، من جهاد وأمر بمعروف ونهي عن منكر وأحكام الردّة والمرتدين والجزية والرق... وغير ذلك من الأحاكم، وهل القرآن الكريم إلا مجموعة من هذه الأحكام؟
3) الديمقراطية والانتخابات؛ تعتمد على الغوغائية والكثرة، بدون ضوابط شرعية، والله تعالى يقول: {وَإِن تُطِعْ أَكْثَرَ مَن فِي الأَرْضِ يُضِلُّوكَ عَن سَبِيلِ اللّهِ} [الأنعام، من الآية: 116]، ويقول الله تعالى: {وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لاَ يَعْلَمُونَ} [الأعراف، من الآية: 187]، ويقول أيضاً: {وَقَلِيلٌ مِّنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ} [سبأ، من الآية: 13].
4) الديمقراطية؛ لا تُفرق بين العالم والجاهل، والمؤمن والكافر، فالجميع أصواتهم على حد سواء، بدون أي أعتبار للمميزات الشرعية، والله تعالى يقول: {قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ} [الزمر، من الآية: 9]، ويقول الله تعالى: {أَفَمَن كَانَ مُؤْمِناً كَمَن كَانَ فَاسِقاً لَّا يَسْتَوُونَ} [السجدة: 18]، ويقول الله تعالى: {أَفَنَجْعَلُ الْمُسْلِمِينَ كَالْمُجْرِمِينَ} [القلم: 35].
5) المجالس النيابية؛ طاغوتية غير مؤمنة بالحاكمية المطلقة لله، فلا يجوز الجلوس معهم فيها، لقول الله تعالى: {وَقَدْ نَزَّلَ عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ أَنْ إِذَا سَمِعْتُمْ آيَاتِ اللّهِ يُكَفَرُ بِهَا وَيُسْتَهْزَأُ بِهَا فَلاَ تَقْعُدُواْ مَعَهُمْ حَتَّى يَخُوضُواْ فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ إِنَّكُمْ إِذاً مِّثْلُهُمْ إِنَّ اللّهَ جَامِعُ الْمُنَافِقِينَ وَالْكَافِرِينَ فِي جَهَنَّمَ جَمِيعاً} [النساء: 140]، ولقول الله تعالى: {وَإِذَا رَأَيْتَ الَّذِينَ يَخُوضُونَ فِي آيَاتِنَا فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ حَتَّى يَخُوضُواْ فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ وَإِمَّا يُنسِيَنَّكَ الشَّيْطَانُ فَلاَ تَقْعُدْ بَعْدَ الذِّكْرَى مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ} [الأنعام: 68]، وإن كل ما يمكن أن يُقال من تحقيق بعض المصالح من خلال الديمقراطية والانتخابات تظل مصالح جزئية أو وهمية، إذا ما قورنت ببعض هذه المفاسد العظيمة، فكيف بها كلها؟! وإن من ينظر بعين متجردة إلى بهض ما ذُطر؛ يتضح له بجلاء عَوج هذا السبيل الطاغوتي وبُعدها كل البُعد عن دين الله.
ثم اسألهم: ماذا جنيتم من ركضكم خلف الصليبين وأعوانهم؟! وماذا حصدتم من تسولكم على ابوابهم؟! وهل أغنى كل ذلك عن رئيس "الحزب اللا إسلامي العراقي" حينما داس الصليبي رأسه بحذائه؟!
وهل كان الصليبيون وأعوانهم من المرتدين يفرقون بين الديمقراطيين وعامة أهل السنة في الاعتقالات أو التعذيب داخل السجون؟!
ثم أخبرونا؛ ماذا فعلت تنازلاتكم التي قدمتموها لأعراض أخواتنا الحرائر اللاتي اُنتهكت في "أبي غريب"؟! وماذا فعلت لكلام ربنا الذي أُهين على مرأى العالم ومسمعه في مساجد"الغربية" وغيرها؟!
إن أمريكا وأوليائها من خلفها؛ لن يغفروا لكم أن تنتسبون للإسلام، وأنكم في يوم ما كنتم مسلمين، حتى وإن تبرأتم ألف مرة من دينكم وأنكرتم صلتكم بأهل "لا إله إلا الله".
ثم أخبرهم؛ أنه قد ثَبت بالاستقراء والتتبع، فشل هذا الطريق، وعدم جدواه، حيث خاض البعض هذه المسرحية الكُفرية في كثير من البلاد - كمصر والجزائر وتونس واليمن... إلخ - وكانت النتيجة معروفة؛ أحلامٌ وسرابٌ، فإلى متى نرضى بالخداع؟!
ثم ذكرهم أن هذا السبيل يهدف إلى احتواء الصحوة الإسلامية، وتغيير مسارها وإلهائها عن مهمتها الأساسية، والتغيير الجذري والشامل إلى الفتات والتعلق بالأوهام والخيالات.
فإن رجعوا عن باطلهم؛ فذلك فضل الله، وإلا فـ {إِنَّكَ لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَن يَشَاءُ} [القصص: 56].
الغاية المشروعة لا بد لها من وسيلة مشروعة
ولعلكم تقولون : آه , تريدنا أن نترك الحكم والسيادة للعلمانيين , فأنت من شيوخ العلمانية المعادي للمجاهدين .
فقلت : أن تتركوا الحكم للعلمانيين مؤقتا , إلى أن تصلوا للحكم بطريق ليس فيها كفر وشرك , خير من أن تستعجلوا الثمرة وتشاركوهم في كفرهم الناتج عن تحكيمهم للقوانين الوضعية الخبيثة . فقالوا : والله يا أخانا إن دخولنا للبرلمانات التشريعية (الوثنية) ما هو إلا وسيلة لإرجاع الخلافة . فقلت : نحن لسنا ميكافليين , إن رسولنا صلى الله عليه وسلم علمنا أن (الغاية لا تبرر الوسيلة) ,
وأن الغاية النبيلة لا بد من الوصول إليها بوسيلة نبيلة , والوسيلة النبيلة هي التمسك بمنهج الرسول صلى الله عليه وسلم , وعدم الانحراف عنه , والدعوة الجادة إليه , وحمايته , والجهاد دونه , عندها سيمكن الله لنا وبأدنى الإمكانيات , إذ إن النصر من عند الله العزيز الحكيم وهو صاحب الأرض يرثها من يشاء من عباده , وعباده الذين يشاء أن يرثوا الأرض هم من وحده قولا وعملا , ثم أعدوا ما يستطاع من الأسباب المادية , قال الله تعالى :"وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة ومن رباط الخيل ترهبون به عدو الله وعدوكم" أما استعجال الثمرة قبل أوانها فقد قيل في ذلك : من استعجل الشيء قبل أوانه عوقب بحرمانه .