سؤال وجواب حكم دخول الأحزاب لمصلحة تطبيق الشريعة
للشيخ : أبي أيمن المصري - ثبته الله-
سؤال:
ما حكم دخول الأحزاب والانتخابات المعاصرة لمصلحة إقامة الدين وتطبيق الشريعة، هل ذلك عمل صالح وقربى وطاعة، أم هو أثم ومعصية ومحرم؟؟؟
الجواب بحول الملك الوهاب:
اعلم أن التوحيد وعدم الشرك هو أصل العبادة والدين ومن أجلها خلق الله الخلق وأمرهم بإفراده بالعبادة والتوحيد والإقرار أن له الأمر والحكم، وعدم منازعة الله في شيء من خصائصه ومما تفرد به سبحانه، والإقرار بذلك والتسليم والاستسلام ومن أجل ذلك كنا مسلمين وسمانا بذلك أبينا إبراهيم.
وما بعثت به الرسل جميعا وجاءت به الرسالات، هو الإسلام لله والاستسلام لأمره وحكمه والإقرار بذلك، وإن اختلفت الشرائع والأحكام بين أمة وأخرى، فما قد يكون محرمًا في أمة مثل العمل يوم السبت قد يكون مباحًا في غيرها، وقد يأتي الرسل بالتخفيف على الأمم في بعض الشرائع أو التشديد عليهم عقابًا لهم على أفعالهم مما يدل على أن الأصل الذي عليه أساس كل شيء ولا يوجد به اختلاف من أمة إلى أمة هو التوحيد وإفراد الله بالعبادة وعدم اتخاذ شريكا له في الأمر ولا الحكم ولا التشريع وأن العبادات ما هي إلا إظهار هذا الاستسلام والانقياد، ولذلك فقد تباح في قوم وتحرم في غيرهم، وتفرض على قوم وترفع عن غيرهم، مثل قتل النفس أو الخروج من الديار، مع ملاحظة أن القول بالاستسلام فقط دعوى لا تقبل إلا بفعل الشرائع التي هي الدليل على صدق هذه الدعوى، ولكن فعل الشرائع ليس دليلا قطعيًا جازما على الاستسلام الذي هو من أعمال القلوب ولكن هو الفعل الظاهر الذي طولبنا بالحكم على الناس به.
وعليه فمن أتى بالشرائع كاملة ثم رفض الاستسلام والانقياد فلا قيمة لفعله ومن أتى بنظام يطبق الشرائع وينقض الاستسلام فلا قيمة لعمله وعمله فاسد مردود عليه.
كمن يريد أن يأتي بتطبيق الحدود وإقامة الشرائع عن طريق الإقرار بشريك لله في الحكم والتشريع وجعل له سيادة تساوي سيادة الله الخالق البارئ أو تتقدم عليها كمن يجعل السيادة للشعب في الأنظمة العلمانية و الديمقراطية، ويقول عن طريق الشعب والإقرار له بالسيادة نأتي بأحكام الشريعة، فهذا قد خرم الأصل ليأتي بالفرع.
- قد يجوز الإتيان ببعض الأفعال الذي ظاهرها الكفر لتمكين ونصرة وإقامة الدين - مثل ما فعل محمد بن مسلمة مع كعب بن الأشرف وفعل عبد الله بن أنيس مع خالد بن سفيان الهزلي، وفعل فيروز الديلمي مع الأسود العنسي - ولكن لا يصح الاستدلال بذلك على دخول المجالس التشريعية وتكوين الأحزاب في وقتنا الحالي.
وذلك لوجود ضوابط لذلك الأمر غير متوفرة في زماننا الحالي:
أ- أن ما ينتج عن هذه الأعمال التي يرخص فيها هو الدين الصحيح الكامل ونصرته وإظهاره، ولا يجوز الأخذ بهذه الرخصة للإتيان بشيء محرم أو ممنوع أو مبتدع.
فمن أرد أن يستخدم أسلوب البرلمانات لخداع الطواغيت لإقامة شرائع الإسلام، عليه أن يقيم الإسلام الصحيح الكامل، وبعد التمكين عليه أن يلغي الدستور والقوانين والنظام الحاكم والمجلس التشريعي، ويأتي بالنظام الإسلامي كاملا، ويلغي سيادة الشعب فلا تبقى له سلطة بعد التمكين.
أما أن تستخدم هذه الرخصة لإقامة نظام ديمقراطي يختار فيه الشعب تطبيق الشريعة وتبقى فيه السيادة للشعب فلا يصح لمن يسعى لذلك أن يأخذه بهذه الرخصة.
ب- أن يكون ذلك من فرد أو أفراد وفي خفاء أو في دائرة ضيقة من الناس، ولا يكون ذلك في عموم الأمة وينشر ويشاع ويذاع، فإن في ذلك إضلال للأمة وإفساد لعقيدتها، وهذه هي أكبر مفسدة.
فمن يريد الوصول لتطبيق الشرائع عن طريق الانتخابات ونشر مبادئ الديمقراطية والعلمانية في صفوف الأمة فكيف تؤمن الفتنة، وأن لا يقع عموم الأمة في تصديق ذلك ويعتقدوا أن السيادة للشعب وأنه شريك لله في التشريع والحكم، ويخرج أجيال يتربون على ذلك ويصدقوه ويعتقدوه.
فإن هذا لا يجوز أبدًا من باب ما يقع به من إفساد عقيدة الأمة.
ج- أن يكون الإتيان بالدين الكامل وإقامة الشريعة وهدم النظام العلماني والديمقراطي والدستوري شيء مؤكد أو غلبة الظن؛ أما أن يكون ذلك محتملا أو هو الاحتمال الأضعف، فلا يجوز أبدًا، لأنه إظهار الكفر وإضلال للأمة، بدون أي
مصلحة معتبرة.
وهذه النقطة وهي احتمالية أن يفشل ذلك المسعى سنفرد لها نقطة مستقلة.
- الاحتمال الأغلب أن هذا المسعى سيفشل في الإتيان بالدين الصحيح الكامل وذلك لعدة نقاط وعوامل.
وتأكيد المجلس العسكري على مدنية الدولة: 1- أن المجلس العسكري والدول الغربية مثل أمريكا وغيرها، قد أعلنوا بصراحة أنهم لا يقبلون بقيام دولة دينية "دولة إسلامية"
أكد في 4 إبريل 2011م الماضي أن مصر لن يتولى قيادتها "خميني آخر".
جريدة الأهرام يوم 5 إبريل 2011م [الأهرام المسائي بقلم أحمد عبد الخالق: المجلس العسكري: لن نخون أو نناور] : "وأكد المجلس الأعلى للقوات المسلحة أن المجلس لن يسمح بظهور دولة دينية في مصر أو تكرار نموذج دول أخرى، مشيرا إلى أن حضارة الشعب المصري التي ظهرت في الاستفتاء على التعديلات الدستورية وخروج الأغلبية الصامتة إلى صناديق الاقتراع تشير إلى الوعي والتمسك بدولة ديمقراطية والشوق إلى حرية حقيقية وإلى مدنية الدولة مهما كانت الشعارات حيث أن سماحة الإسلام في مصر بفضل الأزهر الشريف تعيش في وجدان كل مصري....
أكد المجلس الأعلى للقوات المسلحة أن جميع الجهود التي يبذلها قادة القوات المسلحة تسعى لوضع أسس حضارية وراسخة للدولة المدنية الديمقراطية العصرية ......
..... وجدد المجلس الأعلى العسكري موقفه الداعم للمطالب المشروعة للشعب المصري العظيم، إلى بناء دولة عصرية تقوم على أسس الحرية والديمقراطية.
أكد اللواء محمد مختار الملا مساعد وزير الدفاع .... فالمجلس الأعلى للقوات المسلحة لن يسمح لتيارات متطرفة بالسيطرة على مصر.....
وأن المجلس العسكري يعمل لتصل إلى دولة ديمقراطية مدنية
وجاء في رسالة (64) من المجلس العسكري:
"...يؤكد المجلس الأعلى للقوات المسلحة على ما يلي"
* التزامه باستكمال تحقيق آمال و طموحات الشعب للوصول لدولة مدنية على أسس ديمقراطية تتحقق فيها الحرية والعدالة الاجتماعية ....
* يتطلع المجلس الأعلى إلى دور أكثر فاعلية للشباب ويدعم مشاركتهم للانخراط في الحياة السياسية من خلال تشكيل الأحزاب التي تعبر عن توجهاتهم ورؤيتهم".
فكل ما تقوم عليه دعوى من يدعو لتكوين الأحزاب من وجود فرصة تسمح بإقامة الشريعة فدعواه غير صحيحة ومخالفة لما هو في الواقع.
2-حتى لو سمح المجلس العسكري والدول الغربية بذلك، فالشواهد وقرائن الحال تثبت أنهم لا يلتزموا بذلك وأن التزامهم بالديمقراطية رهن بقيام نظام غير إسلامي فإذا جاءت الديمقراطية بنظام إسلامي انقلبوا عليها وألغوا الديمقراطية وأسقطوا النظام - كما حدث في الجزائر، وفي تركيا عندما فاز أربكان بالأغلبية وجاء دوره لتولي رئاسة الوزراء، وكما حدث في ماليزيا مع محمد إبراهيم - ولم يسمح إلا بصورة شديدة الفجاجة والانغماس في العلمانية كحالة أردوغان والذي يعتبر أربكان - الذي تعتبره الحركة الإسلامية الأصولية أنه قد أنحرف - بأن أردوغان قد أنحرف وضل.
3- وحتى لو سمحوا ولم ينقلبوا على النظام الديمقراطي - وهو احتمال بعيد - فيمكن أن لا يصل التيار الإسلامي للأغلبية المطلقة لو قاموا ببعض التزوير في الانتخابات وهو مشهور ومجرب معهم.
4- حتى لو سمحوا ولم ينقلبوا ولم يزوروا، ففوز التيار الإسلامي بالأغلبية المطلقة التي تسمح له بفعل ما يريد ووضع النظام الإسلامي الكامل وهدم النظام القائم تمامًا والانقلاب عليه، غير مؤكد في ظل اشتراك غير مسلمين في التصويت وفي ظل وجود العلمانيين الذين يحاربون شرع الله، ووجود العوام الذين لا يعلمون الحق ويلبس عليهم المفسدون أمرهم، والمنافقين الذين وجدوا على مر العصور، وأصحاب المعاصي الذين يخشون شرع الله وفي ظل انقسام التيار الإسلامي نفسه واختلافه في تفسير الهدف الصحيح الذي يجب أن يسعى له.
فالبعض يرى هدفه الذي يسعى له هو إقامة النظام الديمقراطي وانه يجب احترامه وعدم الخروج عليه لتطبيق الشريعة من خلاله.
وفي ظل تفتيت أصوات التيار الإسلامي بين تيارات مختلفة.
فهذا احتمال من احتمال في احتمال من منع لا يسمح بإقامة الشريعة لم ينتبه له من يدرس احتمالات النجاح فأين التأكيد من الوصول لشرع الله أو حتى غلبة الظن؟
* أن من يفعل ذلك - على افتراض أن فعله صحيح أن كان ذلك هو الاحتمال الغالب أو القطعي الحدوث، وكان لن يؤدي لإضلال وفتنة الناس، وكان ما سيصل إليه هو الدين الصحيح الكامل من إقامة الشرائع كاملة وهدم الشرك وحاكمية غير الله وإبطال أن السيادة والمرجعية للشعب أو لغيره وجعلها لله وحده- لا يلوم من ينكر عليه لأنه قد أتى بفعل حرام ومنكر بل أجمع العلماء على انه كفر وهو إشراك غير الله مع الله في شيء من خصائصه، وجعل أمر المخلوق مقدم على أمر الخالق.
أما من يقول أن هذا الأمر قد رخص فيه البعض فأصبح مسألة خلافية لا يجوز الإنكار فيها فهذا قول غير صحيح، فعدم الإنكار عندما يكون اختلاف العلماء على فعل هل هو حرام أم حلال، واختلافهم في الوصول لحكم الله وأمره في المسألة.
أما في حالتنا فالجميع مجمع على حرمة الفعل، ولكن الفاعل له رخصة بينه وبين ربه في فعله، ولكن الفعل منكر يجب على الجميع إنكاره والصدع بإنكاره حتى لا تشيع الفاحشة، وتفسد الأمة وتضل الأجيال.
كمن شرب الخمر لغصة أو يأكل الميتة لهلكة أو يفطر نهار رمضان لعذر فيجب على جميع من يراه أن ينكر عليه إلا أن يعلم العذر فإذا خفي العذر فالأصل الإنكار ومن يقوم بعمل مثل هذا، ومن يدخل في جيش ونظام الطاغوت لينقلب عليه، وفعل الصحابة عندما اغتالوا رؤوس الكفر فكل هؤلاء يخفون العذر والعلة، حتى لا يعرفها الخصم، فهم عند الله لهم أجر وعذر وأمام الناس لا عذر لهم ويجب الإنكار عليهم مالم تظهر العلة .
يتمسك البعض بالقول بأن هناك فتاوى من بعض العلماء المعاصرين بجواز دخول المجالس التشريعية لهذا الغرض ، ويبنون على ذلك أن الأمر فيه خلاف ، فلا يجوز لأحد الإنكار فيه وهذا القول لنا عليه ردود:
إن فتوى العالم تبنى على علم بالواقع وفهم للشرع، فإن غاب العلم بالواقع فالعالم يفتي بناء على المقدمات التي يضعها السائل وقد رأيت بنفسي كيف أن بعض العلماء الذين يستدلون بهم وضع لهم البعض مقدمات توحي باتجاه معين فأتت فتواهم بناء على تلك المقدمات.
وحضرت سؤال عالم حضر له بعض أهل العلم من مصر ليستفتوه في الانتخابات البرلمانية ، فذكر لهم أن بعض أهل الكويت قد استفتوه في ذلك وذكروا له أنهم يدخلون مجلس الأمة للدعوة إلى دين الله، فأفتاهم بالجواز مع بعض الضوابط البسيطة التي ظن أنها ممكنة، وعندما بينا له حقيقة الأمر وما يلزم من الإقرار بالديمقراطية وغيرها، وأن ما يذكر من ضوابط يستحيل تطبيقه في الواقع، تراجع عن قوله.
وعليه فان هؤلاء العلماء لو بين لهم الواقع ووصف وصفا علميا شرعيا صحيحا لجاءت إجاباتهم بخلاف ذلك.
أن أقوال هؤلاء العلماء ليست دليلا في حد ذاتها و إنما هي للدليل تحتاج ويجب على السائل ألا يعمل بها حتى يعلم دليلها، إلا أن يكون السائل عاميا لم يبلغه إلا قول ذلك العالم، فإن كان الأمر كذلك فيجب على من كان هذا حاله ألا يتصدر لفتوى الناس و قيادتهم و دعوتهم لدخول المجالس التشريعية والأحزاب، و هناك غيره من يستطيع أن يميز بين الأدلة ويرجح بين فتاوى العلماء المختلفة.
فمن يعتمد على هذه الفتاوى عليه أن يتأكد كيف صدرت وما هو السؤال والمقدمات التي سيقت وهل هي تطابق الواقع، وعليه السؤال عن دليل ذلك ومعرفة أقوال وفتاوى المخالفين - بل هؤلاء العلماء لهم فتاوى و أقوال صريحة تخالف ذلك - والجمع بينهم والترجيح بين الأدلة، ثم بعد ذلك يحدد موقفه بناءا على ذلك.
فإن كان لا يستطيع فعل ذلك وغير مؤهل له من الناحية الشرعية، فلا يقود الناس ويدعوهم لضلالة ويترك غيره ممن يفهم الأدلة و الترجيح بينها ليبين ذلك أو يعارضه بأدلة صحيحة صريحة، لا فتاوى مجملة إن كانت قد تصح في حق عامي في أمر خاص به عند تعذر البحث و سؤال غير ذلك العالم المفتي، فلا تصح لمن يتصدر لقيادة أمة و سحبها إلى أمر خطير إن أخطأ فيه قد يكون في ذلك خرم في العقيدة والتوحيد.
فلا يصح الاستدلال بالفتاوى العامة المطلقة عير المدققة في هذا الموضع، ولكن يجب البحث عن الدليل الصحيح أو ترك ذلك لأهل الأمر.
يدعي البعض من باب المصالح والمفاسد أن ترك دخول الانتخابات يفسح المجال للعلمانيين فتضيع بعض المكاسب الحالية مثل المادة الثانية من الدستور ونقول لهم إن التمايز الآن هو الأفضل و خير من الالتباس والاختلاط، فإما إقامة الدين الصحيح كاملا، أو إلغاء الأمور الخادعة مثل المادة الثانية التي لا تعني بأي معنى شرعي أو قانوني تطبيق الشريعة ليهلك من هلك عن بينة ويحي من حيي عن بينة.
وأفسد ما كان يمنع تطبيق الشريعة في ظل النظام السابق ويمنع جماهير الأمة من السعي لذلك، هو التضليل والتلبيس من علماء السوء و بطانة السلطان من إعلاميين و مفكرين و غيرهم، والذين كانوا يلبسون على العامة أمر دينهم.
معتمدين على المادة الثانية من الدستور وبعض المظاهر الخارجية و الشعائر من احتفالات و خلافه، حتى لا يستيقظ الإيمان في قلوب الأمة ويتضح الفرق والتمايز فتحيا فيها روح المقاومة ورفض الظلم و العدوان على الدين و أحكامه.
ومن أهم إنجازات الحركة الإسلامية خلال الخمسين سنة الماضية، وضوح الرؤية و تصحيح المفاهيم في بعض الأمور الأساسية والتي كانت قد التبست خلال ضعف المد الإسلامي، فما كان يصعب التحدث عنه في السر من قبل لالتباس مفاهيم الناس أصبح من المسلمات في العلن الآن ومن البديهيات التي تثار على شبكة المعلومات.
فمن يتحدث عن التمسك بشيء مثل المادة الثانية والتي وصفها رؤوس القانونيين بأنها لا تعني تطبيق الشريعة وإنما تخادع الشعور الإسلامي عند عوام المسلمين، إنما هو يسعى في مفسدة خطيرة على عقيدة المسلمين.
فإما أن يطبق الدين كاملا أو تلغى مثل هذه المظاهر الخادعة ليظهر كل فصيل على حقيقته، فهذا من أقوى عناصر البعث للصحوة الإسلامية.
* من سنن الله في خلقه الابتلاء قبل التمكين أو عنده للتمحيص وظهور من يستحق النصر من **وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آَمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا وَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ} [سورة النور: الآية 55].
وهو ما حدث مع بني إسرائيل عندما دعاهم موسى عليه السلام لدخول الأرض المقدسة، وما حدث مع الملأ من بني إسرائيل مع طالوت عندما ذهبوا لقتال جالوت، وما حدث في السودان عندما طبق النميري الشريعة، وعندما أعلنت حكومة الإنقاذ الجهاد في الجنوب، وما حدث من الجماعات الإسلامية عندما دخلت في صراع مع الأنظمة الحاكمة ثم تبنت التراجعات، وما حدث في أفغانستان عندما قامت الإمارة الإسلامية -إلا أنهم في هذا المثال الأخير ثبتوا على الحق و ظننا في الله أن يتم لهم النصر ويمكن لهم في الأرض-.
ونخشى أن يؤدي تسارع المتسارعون و تعجلهم لقطف الثمرة إلى انتكاسة للحركة الإسلامية بعد جهد عشرات السنين وهذا معنى التعجل قبل الأوان في قولهم: من تعجل الشيء قبل أوانه عوقب بحرمانه.
وليس ما كان يطاردنا به البعض خلال عشرات السنين كلما اتبع بعضنا سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم و صحابته رضوان الله عليهم في الإقدام والتضحية و تحمل المشاق في الجهاد و الأخذ بالعزيمة في المواضع التي يباح فيها الرخص.
والحق و العدل و المعنى الصحيح لهذه العبارة هو فيمن تعجل الشيء قبل أوانه بما يخالف أحكام الشريعة لا بما يوافقها فالإنفاق و إن استغرق المال كله فعل الصديق رضي الله عنه، وقتال الرجل وحده و انغماسه في العدو، والصبر ومواجهة العدد القليل الضعيف العدة للعدو الجبار المتكبر، فهذا كله أما سنة تقريرية أو فعل الصحابة.
ولكن معناها هو فيمن يجاهد ويصبر السنين الطوال ثم يتراجع ويساوم ويتنازل عن مبادئه تعجلا للنصر عند ظهور بشائره، وهو لا يدري أن النصر نفسه أو مقدماته قد تكون فتنة و اختبار، وكم من الناس من يصبر على فتنة الشدة ولا يصبر على فتنة النعمة وتعجل النصر.
ولو نظر الإنسان بعين اليقين لعلم أن هذه الدنيا لا تساوي شيء وأن الأمر بنصر الدين وإقامة أحكامه وشرائعه وكافة التكاليف الشرعية إنما هي لابتلاء الناس و ليست هي الغاية ، إنما الغاية مرضاة الله عز وجل كما قال الله تعالى **فَإِذَا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا فَضَرْبَ الرِّقَابِ حَتَّى إِذَا أَثْخَنْتُمُوهُمْ فَشُدُّوا الْوَثَاقَ فَإِمَّا مَنًّا بَعْدُ وَإِمَّا فِدَاءً حَتَّى تَضَعَ الْحَرْبُ أَوْزَارَهَا ذَلِكَ وَلَوْ يَشَاءُ اللَّهُ لَانْتَصَرَ مِنْهُمْ وَلَكِنْ لِيَبْلُوَ بَعْضَكُمْ بِبَعْضٍ وَالَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَلَنْ يُضِلَّ أَعْمَالَهُمْ} [ سورة محمد: الآية 4] وقوله سبحانه **وَمَنْ جَاهَدَ فَإِنَّمَا يُجَاهِدُ لِنَفْسِهِ إِنَّ اللَّهَ لَغَنِيٌّ عَن الْعَالَمِينَ} [ سورة العنكبوت: الآية 6].
ولو كان النصر هو الغاية لما أصاب رسول الله صلى الله عليه وسلم و صحابته الكرام شدة ولا قرح ولا هزيمة.
ونحن معكم في كل طريق يعجل تطبيق شرع الله أو يخفف عن المسلمين أو يقلل تعريضهم للفتن، و لكن على أن يكون طريقا شرعيا صحيحا، أما إن كان غير حلال حرمه الله سبحانه وتعالى الذي شرع الشرع ليبتلى مدى طاعتنا و استسلامنا لإمره، فلا نوافقكم عليه وإن كان فيه ضياع الأنفس والأموال والأهل والأولاد والوجاهات والمناصب والدرجات والتمكين في الدنيا ، يقول الله تعالى **قُلْ إِن كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَآؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إِلَيْكُم مِّنَ اللّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُواْ حَتَّى يَأْتِيَ اللّهُ بِأَمْرِهِ وَاللّهُ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ} [ سورة التوبة: الآية 24].
وأخشى ما نخشاه أن يفتن بعض أهل الطريق و يتعجلوا الثمرة فيخرجوا عن الطريق و ينحرفوا و لو قليلا، فيتركوا طاعة الله ولو في جزء فيرفع معيته عنهم و يكلهم إلى أنفسهم أمام أعدائهم، فينقلب النصر الذي يظنونه قريبا، بل هو كان قريبا بإذن الله لو صبروا ساعة في طاعة الله، إلى هزيمة نكراء يخسرون فيها ما كسبت الحركة الإسلامية على مدى السنوات الطوال، ويتندمون على ما فعلوا في الدنيا والآخرة.
وماهي إلا أن يركب شخص عسكري غروره ويشيع القتل والتنكيل في الخلق، وما نحن إن رفع حفظ الله عنا بأعز بقوتنا ممن قتلوا في الحروب الأهلية والعالمية، و ما يمسك عنا كل ذلك إلا رب السموات والأرض **وَهُوَ الْقَاهِرُ فَوْقَ عِبَادِهِ وَيُرْسِلُ عَلَيْكُمْ حَفَظَةً حَتَّى إِذَا جَاءَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ تَوَفَّتْهُ رُسُلُنَا وَهُمْ لَا يُفَرِّطُونَ} [سورة الأنعام: الآية 61]
فيجب على جميع المسلمين الحذر من الاشتراك في العلمانية والديمقراطية والعملية الانتخابية والأحزاب السياسية إلا أن تكون أحزاب تقوم بنشاط سياسي من باب الدعوة للدين الحق ولا تشترك في الانتخابات والمجالس التشريعية فهذه جائزة، ولكن لا يوجد أي حزب على الساحة يفعل ذلك، وهذه أولى بدلا أن تسمي بأحزاب أن تسمى جمعيات أو هيئات أو منظمات لعدم الخلط والالتباس.
وقد بينا عدم جواز الاشتراك في العملية السياسية إلا بالضوابط المذكورة والتي يتضح استحالة تواجدها في الواقع مما يعني حرمة ذلك الفعل في ظروفنا الحالية هذا والله تعالى أعلم.